بقلم الدكتور ربيع حسن كوكة
إذا كانت ماهية الصيام الفعلية هي الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة فإن من أهم مقوّمات صحته والتي تجعله مُحَققاً لغايته هو إمساك اللسان عن كلِّ قولٍ مكروه وفاحش.
ولذلك فقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم منهجاً للسان في رمضان حيث خاطب الفئة التي تعتاد القبيح من الأقوال فقال: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يترك طعامه وشرابه) رواه الترمذي وقال: (كم من صائم ما له من صيامه إلا الجوع والعطش) رواه ابن ماجة وذلك توصيفاً منه صلى الله عليه وسلم لقبحِ ذلك العمل؛ لعلَّ صاحبه يتحفّز لترك القول القبيح وينتهز فرصة مضاعفة الأعمال الصالحة في شهر رمضان فيسلُك سبيلها.
وبالمقابل فقد خاطب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الفرد الذي يمكن أن يُعتدى عليه بالشتم فقال: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن امرئ شاتمه أو قاتله فليقل إني صائم) رواه البخاري. فبيّن بهذه الكلمات ما ينبغي أن يفعله الإنسان المؤمن في يوم صومه فلا يبادل الشاتم بالشتم؛ وذلك لينال أجر صيامه كاملاً من غير نُقصان.
ثمّ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطب الجميع فقال فيما يخص رمضان: (واستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتان ترضون بهما ربكم، وخصلتان لا غنى لكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى لكم عنهما فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار ) رواه ابن خزيمة في صحيح وهذه الخصال الأربعة هي من عمل اللسان.
وهكذا يتبلور أمامنا منهج اللسان في رمضان من خلال ترك الكلام الفاحش وعدم الالتفات لمن يتلفظه وشُغل اللسان بالمفيد من الكلام.
وهذا الأمر هو الذي يُحدث الفرق بين لفظي الصيام والصوم؛ حيث أن الله تبارك وتعالى عندما ذكر في القرآن الكريم الصيام ذكره بمعنى الامتناع عن الطعام والشراب والشهوات المفطِّرة فقال سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [سورة البقرة:185] ولم يقل كتب عليكم الصوم.
وبالمقابل فقد ذكر لفظ الصوم بما يخص اللسان في النطق بالحق والصالح من القول؛ فقال سبحانه مخاطباً مريم العذراء { فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا }[مريم:26] فالصوم هنا جاء مع الأكل والشرب فقد نذرت مريم عليها السلام الصوم رغم أنها تأكل وتشرب. فالصوم قد يأتي مع الصيام وقد يأتي مع الإفطار؛ ومن هنا كان الصيام – بمعنى الإمساك عن الـمُفطرات- لا يؤدي دوره المطلوب إلا إذ اقترن بالصوم الذي يعني استعمال اللسان بقول الحق والابتعاد به عن قول الباطل.